جاءكم البرهان..
بدر الدين الإدريسي
جاءنا، وجاء من أكثروا من الجدل والتشكيك، ومن هاموا على الأرض بوجوههم مقنعة يدعون ما يدعون علينا، الدليل على أن الأندية المغربية تقبض بيد من حديد على صدارة التصنيف القاري بعلامة الإستحقاق التي لا مراء ولا جدال فيها، وبالأرقام والمعطيات التي لا تخطئ ولا يمكن أن تحجبها عين الشمس.
صدارة الأندية الوطنية للتصنيف القاري بفارق مريح من النقاط عن الأندية المصرية وحتى التونسية، تعزى بالأرقام لا بالأوهام للحضور اللافت للأندية المغربية في عصبة الأبطال وكأس الكونفدارلية في النسخ الخمس الأخيرة، بما فيها النسخة الحالية التي تشهد تواجد أربعة أندية مغربية في الدور نصف النهائي لعصبة الأبطال ولكأس الكونفدرالية، بنجاح مبهر، فهذه الأندية الأربعة (الوداد والرجاء ونهضة بركان وحسنية أكادير) نجحت في عبور كل الحواجز الإقصائية من الدور التمهيدي إلى الدور ربع النهائي من دون خطإ.
بالطبع هذه الصدارة مثلما تقلد الأندية المغربية مسؤولية مواصلة العمل من أجل تعزيز المكتسبات، فإنها تعتبر مؤشرا قويا على أن بمقدور الأندية المغربية أن تنافس بقوة الأندية المصرية والتونسية، برغم ما يوجد من فوارق على مستوى الموازنات المالية، فلو نحن عرضنا لأرقام المعاملات، لوجدنا أن الأندية المصرية بخاصة الأهلي والزمالك، والأندية التونسية بخاصة الترجي ونجم الساحل، تبتعد بمسافات عن نظيرتها المغربية، وبخاصة القطبين الوداد والرجاء اللذين يصنفان في العادة كأكبر المؤسسات الرياضية توريدا وجلبا للأموال.
قطعا لا أريد من هذه الخلاصة أن أقلل من شأن توسيع دائرة الإستثمارات داخل الأندية الوطنية باجتهادات وابتكارات تسويقية لمثل هذه النجاحات التي تتحقق على المستوى القاري، ولكنني أؤكد على أن العمل القاعدي والهيكلي والتدبير الإحترافي للسفر الإفريقي، هي مفاتيح سحرية لو ملكتها الأندية المغربية ولو بنسب متباعدة،لأمكنها أن تحضر بقوة في المشهد الإفريقي.
ذات مرة وقد أخذني الحديث مع رئيس الجامعة السيد فوزي لقجع إلى صراع المواقع بأفريقيا، الذي يجب أن تدخله الأندية الوطنية بأسلحة لوجيستية ومالية، قال لي بلغة رجل المال الذي يضبط سباق الصدارة قاريا وعالميا على مؤشر الإمكانات المالية، “إن نحن راهنا في المستقبل القريب على شيء، فليكن رهاننا قويا على مأسسة الأندية الوطنية الكبيرة منها على الخصوص، بالشكل الذي يجعل رقم معاملاتها يتضاعف عشر مرات، فلا أمل لنا لربح سباق مع أندية تفوق موازناتها عشر مرات موازنة أكبر الأندية المغربية، القصد هو أن ننزل ثقافة المقاولة بأبعادها التجارية والتسويقية والرياضية أيضا.
قد نتفوق مرة أو مرتين على أندية عملاقة كالأهلي المصريوالترجي الرياضي التونسي، ولكننا لا نستطيع فعل ذلك كل مرة في حال ما إذا بقيت موازنات أنديتنا على حالها، لا تفتح باب الإستثمار على مصراعيه.
لنلقي نظرة سريعة على ما يقع في أوروبا، من هي الأندية التي تحتكر الألقاب الأوروبية، إنها بالتأكيد الأندية التي تحتل صدارة ترتيب الأندية الأغنى في العالم.”
هذا الكلام الذي نقلته بكل أمانة عن رئيس الجامعة وأتقاسمه معه، لأن كرة القدم المستوى العالى تقاس بالقوة المالية للأندية، القوة التي تفتح لها كل الأبواب الموصدةوتتيح لها دخول كل المناقصات بلا وجل أو خوف، لا يلغي شيئا من هذه الجدارة التي تظهرها الأندية المغربية في إبراز ملكاتها ومؤهلاتها ولا يبخس قيمتها، بل على العكس إنه يحفز الأندية الوطنية لكي تتعامل مع مستقبلها القريب بكثير من البراغماتية والإحترافية في التدبير، الإحترافيةالتي تزيل من المشهد كل الهلوسات التي تملأه ضجيجا،وتكفر عن كل الأخطاء المرتكبة في تصميم الصفقات، والتي يدلنا عليها ما تجتره الأندية الكبيرة من قضايا في غرف المنازعات الوطنية وفي محاكم الفيفا والطاس.
قد يكون تفعيل أهم بنود الإحتراف على الإطلاق (إحداث الشركات الرياضية) لحظة فارقة وحاسمة في الفصل بين زمن التجاوزات والأخطاء وهواية التدبير وبين زمن الإستثمار الذكي والعاقل والممنهج في الإرث الضخم للأندية الوطنية، الإرث التاريخي والإرث البشري على حد سواء، لكن اللحظة بمفصليتها تعتمد على حسن وصدق النوايا وعلى الإرادة الجماعية للقطع مع ما بقي عالقا في جلباب كرة القدم الوطنية من أوساخ..
*نائب رئيس الاتحاد العربي للصحافة