دروس الأبطال
بدر الدين الإدريسي
ككل نهائي لأمجد الكؤوس الأوروبية، عصبة الأبطال الأرفع قدرا وشأنا بالقارة العجوز، هناك دائما دروس يمكن أن نستخلصها بإعمال حاسة النقد، وما حفل به نهائي لشبونة بين بايرن ميونيخ الألماني وباريس سان جيرمان الفرنسي، المباراة الفاصلة والحاسمة والتي تقرر لوحدها من سيضع على رأسه عرش الكرة الأوروبية لعام كامل، من دروس يمكن أن يكون مادة للإستقراء والتدقيق قبل المقارنة..
لعل الدرس الأول، هو البراغماتية التي تشبع بها الإتحاد الأوروبي لكرة القدم في استكمال ما بقي من مسابقتيه الأضخم والأرقى على مستوى النوادي (عصبة الأبطال وكأس أوروبا ليغ).
بداية من وضع بروتوكول صحي متشدد وصارم ولا تنازل أو ملاينة فيه، إلى معاينة تنزيله على أرض الواقع، لم يترك الإتحاد الأوروبي أي شيء للصدفة، على الإطلاق، لم يكن هناك لا تراخي ولا استهتار ولا تنازلات، لتبلغ عصبة الأبطال محطتها النهائية وقد استأنفتها من نصف مباريات إياب الدور ثمن النهائي، من دون أن نشهد ولو حادثا عرضيا، إذ كانت المجازفة في نقطة الصفر.
لقد دل الإتحاد الأوروبي لكرة القدم كل الإتحادات القارية الراغبة في استكمال مسابقاتها المتوقفة، على الطريق الأسلم التي يمكن أن يمر منها الموكب من دون أن أي إصابات، ولو أنني أشك في أن تكون كل الإتحادات القارية الأخرى، على نفس درجة الوعي والإحترافية وحتى البراغماتية.
تحت الإكراه عادت مسابقات عصبة الأبطال وكأس أوروبا ليغ، لتكسر الجمود الذي سيطر على المشهد الكروي العالمي منذ أن حلت بنا جائحة كورونا، إلا أن الضريبة الثقيلة التي سددتها كرة القدم وبخاصة عصبة الأبطال، هي أن مبارياتها أجريت خلف الأبواب المغلقة، بمدرجات فارغة.
وبرغم كل الذي اجتهدت فيه الأندية، لإضفاء بهجة مصطنعة على المباريات، إلا أن السكون الذي ساد المدرجات مع غياب الجماهير، سيزيدنا يقينا أن كرة القدم إسوة بكل الأحداث التي لها طابع احتفالي وفرجوي، لا يمكنها أن تعيش من دون جماهير، من دون صخب يضفي رونقا على الملعب، ومن دون أصوات وآهات تتصاعد من كل مكان لتحفز اللاعبين وتجعلهم يتوغلون في أعماق ذواتهم، ليطلعوا بالإرادة التي تقهر المستحيل، وتغزل من الإبداع أنجما تضيء سماء المباراة.
جاء نهائي عصبة الأبطال بين بايرن ميونيخ وباريس سان جيرمان، وقبله نهائي أوروبا ليغ بين إشبيلية وإنتر ميلان، جذابا ومغريا وحافلا بالإثارة، ولكن ما كان ينقصه جمهور، هو للمباراة بهار كما الملح للطعام..
ولم يشفع لباريس سان جريمان، أنه أنفق ما يزيد عن المليار دولار في تصميم انتدابات نوعية (أقواها انتداب نيمار من برشلونة بعد كسر عقده بحوالي 220مليون دولار)، ليتوج باللقب الأوروبي برغم أنه نجح بعد سنوات من التجريب والمضاجعة في بلوغ المباراة النهائية.
كما أن مانشستر سيتي لم يفلح برغم أنه صرف ما يزيد عن المليار دولار على انتداباته وجلب إليه الفيلسوف غوارديولا، حتى في الوصول للمربع الذهبي، فقد خرج هذه المرة من الدور ربع النهائي أمام فريق يبتعد عنه كثيرا في ترتيب الموازنات المالية، هو أولمبيك ليون.
لعصبة الأبطال الأوروبية طقوس وقواعد وخارطة رياضية، المال ليس إلا جزئية صغيرة فيها، فما يحكم هذه الطقوس والقواعد، المرجعية التاريخية والهوية الكونية والشخصية النافذة والفكر التكتيكي الخلاق، وهذه الأشياء كلها لا تدرك دائما بالمال، إنها تحتاج لكم هائل من الوقت ولطاقة كبيرة من الصبر، لكي تكتمل الهوية.
الأكيد أن باريس سان جيرمان بدأ في ملء وعاء التجربة وبدأ بالتدريج في صناعة الهوية الأوروبية، بقي أن نعرف إن كان للقيمين عليه صبر، إلى حين وصول الفريق لمرحلة النضج..
آخر الدروس المستفادة من نهائي عصبة الأبطال بقارة الإبداع، أن ما بني على أنقاض «تيكي تاكا» المنظومة السحرية التي خرجت من وعاء برشلونة وسحرت العالم زمنا طويلا، هي «كرة القدم المتحولة» والتي مثل الوحش البافاري بايرن ميونيخ، نسخة منها، حيث تكون السيطرة على كافة التفاصيل والجزئيات في تأمين التحول من وضع تكتيكي لآخر بشكل جماعي وبسرعات قياسية.
أهلا بالإبداع.
*نائب رئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية