أما عرفوك يا رجاء؟
بدر الدين الإدريسي
متى كان الرجاء فاقدا للقدرة على تحريك الصخر وإزاحة الكدر، حتى نظن به الظنون، وحتى نيأس من قدرته على أن يعاود التحليق بأجنحة الحلم؟
ما استوطن في فضاء النقاش من تبخيس وتيئيس، والرجاء يسقط بشكل عرضي أمام تونغيث، وينزل من على قمة دور المجموعات لعصبة الأبطال مكسور الخاطر، جعلني أستغرب كيف أن هؤلاء جهلوا الأسرار العجيبة لكرة القدم التي تستطيع أن تقلب ظهر المجن وتغير التضاريس، وكيف أنهم لم يخبروا أن بهذا الرجاء قوة رهيبة تستطيع أن تحدث بركانا مرعبا يغير الكثير من الأشياء.
لم يكن لا جمال السلامي ولا لاعبو الرجاء ضالعين في جنحة الخروج القهري من دور مجموعات عصبة الأبطال أمام المغمور تونغيث السينغالي، فمن شاهد المباراة وفطن خباياها التكتيكية، يستطيع الجزم بأن الرجاء سقط بقوة طبيعية قاهرة أكثر ما سقط بقوة المنافس، حتى لو أن لاعبي تونغيث السينغالي كانوا الأكثر إجادة وتوفيقا عند تنفيذ ضربات الترجيح، لذلك كنت أتوقع أن تكون للنسور أمالم الإسماعيلي المصري، ردة فعل هي من أصل التركيبة الأسطورية للفريق، فالرجاء تفرمه الأزمات المالية وتهزه الأزمات التسييرية هزا، ولكنه أبدا لا يتخلى عن هويته وعن صدى التاريخ الجميل المتردد في كل زوايا البيت الأخضر.
كان للإسماعيلي حتى في حالة الصدع التي حل بها، ما يجعله مؤمنا بحظوظه في بلوغ نهائي كأس محمد السادس للأندية العربية الأبطال، فقد كان له رصيد مؤمن في بنك المواجهة بفعل فوزه ذهابا بهدف نظيف وكان له علم مسبق بأن من يأتي لمواجهته، رجاء استبد به الوجع وعلى أكتاف نسوره ضغط رهيب، فلا أحد إطلاقا كان سيرحم جمال السلامي واللاعبين ولا حتى مسيري الرجاء فيما لو تكسر حلم السفر نحو نهائي مسابقة، لم يعد للمغاربة من أمل في الإبقاء على لقبها بالمغرب غير الرجاء.
وقد نال الرجاء «البونيس» الأول والإتحاد العربي لكرة القدم يوافق على نقل المباراة للملعب الكبير بمراكش، بدلا من ملعب محمد الخامس الذي كانت أرضيته العائمة وبالا على الخضر، فما كان يحتاجه نسور الرجاء لمعاودة التحليق إلى الفضاءات المرصودة لهم، ملعبا بأرضية جميلة تساعد على إخراج الحركات السحرية من وعائها، والحقيقة أن ما حفز لاعبي الرجاء على النحت في الصخر، غير الوقود الأسطوري الذي يعطي للمحركات قوة دفع رهيبة، ليس العائد المادي الذي سيضمنه الفريق بالوصول إلى النهائي لإخماد نار الأزمة المالية التي تأججت مجددا بفعل تداعيات جائحة كورونا، ولكن شرف الحضور في نهائي يحمل إسما غاليا على كل المغاربة، إسم صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وهذا الحافز المعنوي القوي سيلازم لاعبي الرجاء وهم يخوضون النهائي أمام الإتحاد السعودي في وقت لاحق.
طبعا هناك من يعدد الأخطاء التقديرية والتكتيكية التي سقط فيها الإسماعيلي المصري وهو يقرر مواجهة الرجاء بسلاح الدفاعية المطلقة، ليقول بأن طريق الرجاء كان مفروشا بالورود، إلا أن ما احتاجته المباراة بالفعل، ذكاء تكتيكي في تصريف الأقدار وضبط السياقات والسيطرة على ما تداعى في محيط المباراة من مؤثرات، لعل أبرزها أن الرجاء افتقد بالأساس لمدربه جمال السلامي، ولو أن هشام أبو شروان الذي وقف على دكة البدلاء أرسل من روحه وكاريزميته ما طمأن اللاعبين على قيادة دفة المباراة، وافتقد لصانع الحلول السحرية عبد الإله الحافيظي، وأبدا لم يكن ممكنا الدفع ببين مالانغو من بداية المباراة بسبب أنه عائد من حجر صحي غيبه لأيام عن التداريب، لذلك كانت هناك حاجة لأن يمارس الرجاء على الدراويش ما يمكن وصفه بالإستنزاف، أي أن يتقبل لاعبو الرجاء حقيقة الإستحواذ السلبي التي جثمت على صدورنا لمدة 45 دقيقة كاملة، ولا يفرطوا في الكرة ويسعوا دائما لاستعادتها كلما ضاعت منهم، وعندما تحين لحظة الصفر، تكون الإغارة على المنافس ناجحة وذات نجاعة كبيرة.
ولأنه في مشهد تكتيكي كالذي شاهدناه في مباراة الرجاء والإسماعيلي، فإن من يستنزف ويرهق ويضعف مخزونه البدني هو الفريق الذي يقبل بالجلوس في منطقته ينشر العسس ويطوق المنطقة، وأي خطأ حتى لو كان بسيطا في المراقبة وفي التركيز على حركة الخصم تكون وبالا عليه.
طبعا هذا ما حدث، ذلك أن الظهير الأيمن للإسماعيلي سيخطئ في مراقبة الكرة في منطقة لا تسمح بالخطإ، ومع لاعب (سفيان رحيمي) لا يتساهل في معاقبة من أخطأ، لتحدث الإنفراجة المتوقعة ولتتهدم كل المتاريس الدفاعية التي أقامها الإسماعيلي، ويصبح طريق الرجاء سالكا لصنع التميز الفني والرقمي، وليوقن من قذفوا الرجاء بتهم باطلة أنهم يجهلون في كرة القدم أكثر مما يعرفونه عنها، وليوقنوا أيضا، أن للرجاء صوتا كزمهرير الرياح التي تجلب الخير والمطر والسعادة..
شكرا للرجاء أنه لم يخيب الظن، وأنه أعاد التأكيد على أنه مدرسة الهندسة والفن..
*نائب رئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية