مجمّع “شارع المَلكُ حُسين” الثقافي رحلة الأحلام والدهشة وتحفة ثقافية تاريخية من إبداعات خطّاب
خاص
الماضي؛ هو الطريق الذي يرسل إضاءاته لتوضيح الأهداف المرجوة وآليات الوصول إلى مستقبل آمن، وقيل بأن الدول التي لا تعرفُ تاريخَها وثقافَتها؛ تتوه في زحام الدول الباحثة عن صورةٍ تقتبسها من هنا أو هناك، كما أن رسوخ التاريخ في فكر الأجيال يشكل بداية المعرفة، وسبيل النهضة والاستدلال على دروب العلو والارتقاء، وفي شتى دول العالم تتواجد المتاحف المتخصصة والشمولية التي توثق لتاريخ هذه الأمم، كما أن الشعوب تتسابق لزيارة هذه المتاحف، والتنافس في المعرفة التاريخية، مما يحذو بتلك الدول العمل على دعمها وتكريم من أبدعوا في إنشائها.
وفي الأردن هناك العديد من المتاحف الحكومية أو التابعة للبلديات وأمانة عمّان، وجميعها تقدم لنا صور مشرقة عن تاريخ الأردن عبر الحضارات القديمة من المؤابية للعمونية والنبطية والرومانية للإسلامية، وبعضها يوثق لإنشاء الدولة الأردنية الحديثة، لكننا نكون أكثر سعادة حين نزور متحف يجمع بين جنباته تاريخ الدولة الأردنية منذ نشأتها وتطور الدولة ثقافيًا وفنيًا وإعلاميًا، ويعمل على توثيق الخط العربي وتقديمه بالصورة التي يستحقها محافظًا على هيبته وقيمته التاريخية.
وحين نبحث في العواصم العربيّة -على وجه التحديد- نجد بأنّ مجمّع ” شارعُ المَلكُ حُسيْن” الثقافيّ، وسط العاصمة الأردنية عمّان، هو الملاذ لإشباع رغبات الباحثين عن المعرفة والمعلومة، والاطلاع على حقب تاريخية متنوعة من خلال عرض مجموعات من نتاجات تلك الحقب التاريخية والثقافية والإبداعية،، لأجد أن مجمّع ” شارعُ المَلكُ حُسيْن” الثقافيّ بروعته يعتبر درّة جديدة تضاف إلى “متحف آرمات عمّان” وهما من إبداعات الفنّان “غازي خطاب”، فيما قدّم دوق عمّان السيد “ممدوح البشارات” موقع مجمّع ” شارعُ المَلكُ حُسيْن” الثقافيّ كدعم للمشروع.
لقد أجاد خطّاب -الذي يُعتبر مبدعًا ومؤثرًا في المجتمع الأردني بقدرته على العطاء للوطن والحفاظ على مقدراته- في استغلال الحاضر للعودة بنا مسافة قرن من الماضي، نغوص فيه بكل ما هو أردني، ونتحرك بحرية ضمن مساحة طابقين في الماضي والحاضر، ونحن نشتمّ رائحة المستقبل، فقد خلّد خطّاب صور العديد من الشخصيات في العمل الثقافي والإعلامي حتى لا تنساها الأجيال القادمة، بينما من استمعوا لأصوات المذيعين منهم عبر أثير إذاعة عمّان والتلفزيون الأردني ما زالوا يتذكرون تلك الأيام الخوالي بكثير من الاحترام والاعتزاز، ويطّلع الزائر على أسماء وزراء الثقافة وأمانة العاصمة الحبيبة، كما يجد جميع أنواع الطوابع التي صدرت في الأردن سواء أكانت رسمية أو تم إصدارها في مناسبات خاصة، وللحقّ يصاب الزائر بالدهشة من طريقة التنظيم العلمية وقدرة خطّاب على جمع هذه التحف الوثائقية.
ويعتبر جَمع هذه الوثائق التاريخية هو الأصعب في عمل غازي خطاب، فقد اشترى العديد من الصحف بمبالغ مالية تعادل بـ”1250″ مرّة من قيمتها في موسمها، معتبرًا بأنها وثائق تؤرّخ لماضي الأمّة، وعلى الرغم من المبالغ التي ينفقها في شراء هذا الأشياء النادرة إلا أنه يقدم مشاهدتها ومعاينتها بالمجان للمواطنين والزائرين، حيث لا يوجد رسم مالي نظير الدخول لمجمّع ” شارعُ المَلكُ حُسيْن” الثقافيّ الواقع في العمارة رقم “45” في شارع الملك حسين وسط العاصمة عمان، ويساهم هذا الشارع الدافىء الجميل في زيادة الشعور بالوطنية للشباب والشابات، كونه يشعرهم بأهمية من يعملون لمصلحة الوطن، ووجود أشخاص كالسيد خطاب؛ يبحثون عن تأريخهم وتقديمهم بطريقة نموذجية للأجيال، وهذا العمل بحد ذاته يزيد من الانتماء للوطن في ظلّ وجود نافذة وطنية تعمل على تخليد المبدعين.
ويتكون مجمّع ” شارعُ المَلكُ حُسيْن” الثقافيّ من طابقين، يضم الطابق العلوي معرض “ديوانيّة الخط العربي” وهو الأول من نوعة في الوطن العربي، وربما في العالم أجمع.. يعمل على عرض اللوحات الفنية للخط العربي، وتقديم هذا الفن الإبداعي للجميع والانغماس فيه من خلال ورشات عمل تدريبية مجانية لتعلم فنون وأساليب الخط العربي، كما يقدم المساحات أمام أي مبدع لعرض فنونه في الخط على جدران الطابق الثاني حيث تشعر بأنك تجلس بين صفحات كتاب تمّت كتابته بخطوط متنوعه وتبحث عن أيهما يشعرك بالسعادة والمعرفة.
وفي الطابق الأول المسمى “عمّان القديمة” تكمن الإثارة، فالصحيفة هناك تتحدث عن بدء الكيان الصهيوني بتفريغ قطاع غزة من سكانه، وتكون المفاجأة بأن هذه الصحيفة صدرت بتاريخ “11-3- 1970″، وصحيفة عنوانها العريض “سلام في اليمن” صدرت بتاريخ “25-8-1965″، فيما تحمل صحيفة أخرى عنوان “أمريكا تسعى لانتزاع تنازلات من الكيان الصهيوني” وتحمل الصيحفة تاريخ “10-3-1971″، وكأن هذه الصحف تتحدث عن العصر الراهن وتخبرنا بأن التاريخ يعيد نفسه من جديد!
وبالتالي يقدم مجمّع ” شارعُ المَلكُ حُسيْن” الثقافيّ للزائر حقب تاريخية متنوعة مظهرًا بأن ما يجري هو امتداد طبيعي للتاريخ، وفي ذات الطابق –أيضًا- نجد عرضًا بالصور لطريقة تسويق دور السينما للأفلام التي تعرضها، كما يزين الشارع الصغير صور وزراء الثقافة ومدراء الإذاعة الأردنية والتلفزيون.
وفي هذا الطابق حيث الخيال والجمال ترك خطّاب بخياله الواسع منطقة خاصة لقراءة الكتب القديمة والحديثة التي يضمها ركن القراءة والموسيقى، ولم ينسَ استحداث ركن خاص بالمصور الخاص للقصر الملكي الأردني “زهراب”، وركن آخر للدوق “ممدوح البشارات” يعرض فيه إبداعاته وأقواله التي تمّ تأريخها كحكم تاريخية يجب الحفاظ عليها، كما يجد الكثيرون ما يشبع رغباتهم وفضولهم من الطوابع النادرة التي تؤرخ لمراحل زمنية متعددة من تاريخ الأردن، كما يضم بين جنباته نياشين وميداليات نادرة.
لقد عمل خطاب على تقسيم مجمّع ” شارعُ المَلكُ حُسيْن” الثقافيّ بطريقة نموذجية لنجد بأنّ المجمّع يصلح ليكون محورًا هامًا في بحوث المتقدمين للشهادات العليا في الصحافة والتاريخ والسياسة.
كما ويستضيف مجمع “شارع الملك حسين” الطلبة الذين يدرسون في الأردن وفي مقدمتهم الطلبة الأتراك المندمجون في مشروع الانغماس اللغوي، مما يجعل مشروع مجمّع ” شارعُ المَلكُ حُسيْن” الثقافيّ أحد النوافذ في تعليم اللغة العربية عبر الإطلاع على تاريخ العاصمة الأردنية الثقافي.
وفي المستقبل سيتم إضافة مجسمات لشخصيات وسط البلد من أمثال الملقب بـ”نابليون” و”بائع الفستق” و “هزاع” مراقب السير، و”أبو علي” صاحب المكتبة التاريخية.
وحين نغادر المجمع؛ نجد بأن جزءًا كبيرًا منه قد سكن فينا بجمال التاريخ وبهاء الوطن وإبداع مبدعيه، واستقبال خطّاب ومعاونيه استقبالًا مهيبًا لنشعر بالطيب والراحة والحنين، لتكتشف لاحقًا بأن المجمّع ليس شارعًا… بل معرضًا يحمل سيرة الشارع والذكريات.