المعهد العالي للتربية الرياضية للبنين “ابو قير بالإسكندرية” كلية عسكرية بامتياز
أ.د. فايز أبو عريضة
ستادكم نيوز – عندما ابتعثنا لدراسة التربية الرياضية عام 1965 الى جمهورية مصر العربية لم يخطر ببالنا اننا ذاهبون للالتحاق بكلية عسكرية على عكس بقية التخصصات في الجامعات الاخرى ،
و بالرغم من صعوبة الاجراءات في البداية الا انها كانت مصدر الهام لضبط النفس وترويضها على الصبر وتحمل مواقف لم نعهدها سابقا ، ويصعب تصور الإحساس بالتجربة الا لمن عاش تفاصيل الايام والليالي في القسم الداخلي وعنابر النوم وابلغ ما يمكن التعبير به عن تلك المعاناة المضحكة المبكية احيانا ما انشده المتنبي في قصيدته المشهورة ؛؛
لا يعرف الشوق إلا من يكابدُهُ
ولا الصبابةُ إلا من يعانيها
ولا يسهرُ الليل إلا من به ألمٌ
ولا تحرق النار إلا رجل واطيها؛
حيث كان ببدا اليوم الدراسي للجميع في تمام الساعة الثامنة صباحا بطابور لكل الطلبة والاصطفاف العسكري بالزي الموحد وكل ذلك باشراف الطلبة انفسهم ويرفع العلم ويتبعه الهتاف الموحد للجمهورية العربية المتحدة كما كانت تسمى مصر العربية في عهد الرئيس الخالد المرحوم باذنه تعالى جمال عبد الناصر،
ومن ثم تتلى الاوامر والتعليمات والعقوبات اليومية على الطلبة التي لا تخلو من مصطلحات عسكرية
وبعد الانتهاء من المراسم الصباحية تبدا مجموعة الفصائل (الشعب الطلابية) تتحرك في طابور واحد ويقود الفصيل ما يسمى برئيس الشعبة وهو احد افرادها ويقدمها لمدرس المادة بطريقة عسكرية وبعبارة (الشعبة جاهزة يا افندم ) وبعد نظرة صامته منه وقد تكون غاضبة احيانا لا تخلو من تفقد الاعداد والملابس والتجهيزات والوقفة المعتدلة
وتبدا الاوامر والتعليمات والتمرينات الرياضية المختلفة تبعا للمادة نفسها وشخصيات المدرسين والتي كانت متفاوتة في الامزجة بين القبول والترحيب او الرفض والتعنيف ،
وتنتهي ما يطلق عليها محاضرة رغم انها وجبة عسكرية شكلا ومضمونا وبنفس الاجراءات التي بدات بها المحاضرة بعد سماع جرس نهايتها والذي يسمع من به صمم في مساحة بلغت الآلاف من الهكتارات في منطقة خالية من السكان مجاورة للكلية البحرية على شاطئ ابي قير بالاسكندرية ،
وتبدا مرحلة الانتقال في خلال عشر دقائق بين المحاضرتين بالجري دون توقف وفي طرق مرسومة بقيادة رئيس الشعبة وخلال تلك الدقائق يجب ان تبدا عملية تبديل الملابس الرياضية للاستحقاقات القادمة من التمرينات الى المصارعة الى السلاح وغيره وبالوان موحدة من الراس الى القدم واي تلوين او تغيير في لون الجوارب مثلا قد تكون سببا في طردك من المحاضرة او تحتسب غائبا رغم حضورك والقرارات هنا قطعية لا تقبل النقاش او الاعتراض او الاستئناف ،
وكانت العقوبات للمخالفات متدرجة وتبدا من الوقوف تحت العلم الذي يرتفع على سارية عالية تتوسط ساحات المعهد (المعسكر ) وتتدرج العقوبة الى طابورين زيادة وهذا يعني خمسون (50) دورة من الجري حول ملعب الهوكي والذي تقترب مساحته من ملعب كرة القدم وتحت مراقبة واشراف الشاويش زكي الذي كان يدرس الجانب العملي من مادة التربية العسكرية والتي كانت مادة اساسية واجبارية وعلى مدار السنوات الاربع وبالزي العسكري ولجميع الطلبة بما فيهم الوافدين من غير المصريين ،
وقد تصل العقوبات في حال تكراراها وتبعا لحجمها الى اعادة السنة الدراسية حتى لو كنت من اوائل الدفعة مما يوكد على ان السلوك والانضباط يعلو فوق التفوق الاكاديمي رغم اهميته وللحديث بقية حول مواقف يصعب نسيانها.
*العميد الأسبق لكلية الرياضة بجامعة اليرموك