أبو ياغي يكتب…وداعا بيليه
د. نخلة أبو ياغي
ستادكم نيوز – التقيت بيليه لأول مرة على شاشة التلفزيون الأردني في منتصف الثمانينات، لكن اللقاء لم يكن كما قد تتوقعون! فاللاعب البرازيلي الأسطوري المعتزل في ذلك الوقت دخل مخيلة جيلنا كشخصية تلفزيونية مبهرة، ظهرت فجأة في مسلسل أبطال الملاعب، و بصوت الفنان الأردني القدير المرحوم جميل عوّاد…
كان مسلسل أبطال الملاعب حكايتنا الأولى في كرة القدم. قصة الفتى المشاغب حميدو شامل الذي يرى نفسه نجما فوق الجميع، لكنه يتعلم مع مرور الأيام أن كرة القدم – كما الحياة – هي في العمل مع الفريق و في تعشّق خصال الإيثار و الجد و المثابرة و احترام الخصوم.
يكبر حميدو (اسمه البديع و صوته الأردني الأثير – تناوب على أدائه الفنانان هشام يانس و زهير النوباني- يجعلان قصته حكاية كل فتى عربي يكبر حالما بالمجد و البطولة) و تكبر معه تحديات الحياة التي يواجهها، فيصبح خصوم المدرسة رفاق الدرب في المنتخب الوطني، و يظهر تحديه الكبير في شخص “كين سانتوس” الفتى البرازيلي الموهوب الذي يقود كتيبة بلاده الشابة نحو انتصارات عالمية منتظرة.
لكن “أبطال الملاعب” لم يكن حكاية عادية، ف”كين سانتوس” شخصية مركبة ترتبط بشكل عضوي باليابان (البلد العظيم بأخلاقه و قيمه و الذي هو مصدر هذا العمل)، و هو يحاول دائما التغلب على صراعاته الداخلية مع ماضيه و خصومه، و أن يرضي أستاذه الذي أكتشفه… أشهر من لمس الكرة… الجوهرة السوداء… بيليه…
يخطف بيليه كل الأنظار منذ لحظة ظهوره الأولى في العمل، و يقدمه الراحل الكبير جميل عوّاد بصوت رخامي بديع يمتلئ قوة و تأثيرا مطلقا منذ الكلمات الأولى دروسا عظيمة في تحقيق الأمنيات و تذليل صعاب الحياة. قدّم المسلسل بيليه كما يستحق: معلما عظيما يثير الإعجاب و الحب و أعلى درجات التقدير. و رغم أن صراع حميدو – سانتوس هو في قلب سردية العمل، لكن بيليه الملهم و المتواضع و الهادئ يخطف المشهد في كل مرة… حتى اذا ما آل الصراع الكروي الى نتيجة أو أخرى، يذكرنا “الملك” أن التنافس الشريف هو قلب الرياضة النابض… و هكذا دون ضجيج، تصبح نتيجة المباراة أقل أهمية، و تتماهى الأرواح في صداقات عذبة صهرتها منافسة الملاعب الخضراء و أنهتها الصافرة على محبة خالصة بين رفاق كانوا خصوما و أصبحوا إخوة.
غادرنا بيليه رمز الكرة العالمية و سيبقى أسمه خالدا في كتب التاريخ، و رغم أنني عرفته بعدها وقرأت عنه و استمتعت بفنه و أعجبتني مواقفه النبيلة و حياته المليئة بالقصص الملهمة… الا أنه و في مخيلتي سيبقى تلك الشخصية الرائعة التي ظهرت من غير سابق إنذار على شاشة وطني الصغيرة، لتعلمني أن العالم قرية صغيرة، و أن فتى موهوبا من مدرستي إسمه حميدو، يمكن أن يطاول بأحلامه عنان السماء.
رحم الله بيليه و فناننا القدير جميل عوّاد… رجلان عظيمان التقيا دون قصد… يحلقان بأجنحة بيضاء معا في وجدان طفل لا يزال يحلم.