الرياضة والسياسة
د. فايز أبو عريضة
كثيرون يعتقدون أن الرياضة لا تلتقي إلا مع نفسها في الملاعب والساحات ،وتتمحور بكل مظاهرها وابعادها حول ذاتها، والحقيقة ان الامر عكس ذلك تماما ،فالرياضة هي التي تلتقي مع الثقافة بكل ابعادها السياسية والاجتماعية والوجدانية والانسانية قبل البدنية والصحية ، بل هي التي تكاد أن تكون الوعاء الاوسع والاغنى للاشتباك مع كل هذه الابعاد ،وهي الاعلى رقما في المشاهدة والمتابعة بين كل الانشطة الانسانية ،وهذا ليس تحيزا، ولكن البحوث والدراسات والتجارب اثبتت ذلك ،حيث وظفها السياسيون في السلم والحرب الباردة في العصر الحديث ،بالامس القريب تم حرمان الرياضيين الروس من الاشتراك في البطولات الاوروبية والدولية بعد حرب اوكرانيا كقرار سياسي ، وهي العولمة قبل ان يظهر هذا المصطلح في القاموس السياسي ،فسياسة البينج البونج (لعبة تنس الطاولة )هي من طبعت العلاقات الاميركية الصينية في سبعينيات القرن الماضي ،والسياسة هي التي اجلت اجتماع المكتب السياسي للحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي(اعلى سلطة سياسية ) لاتاحة الفرصة للرفاق حضور مباراة كرة القدم بين الكويت والاتحاد السوفياتي في الالعاب الاولمبية في موسكو صيف عام 1980 ،والشواهد عديدة في التسابق للفوز بتنظيم البطولات الدولية والعالمية والأولمبية وكاس العالم لكرة القدم الحدث الابرز والاكثر متابعة ،وياتي الهدف السياسي في اعلى السلم من اهداف الظفر تنظيم البطولات الرياضية ، والدليل على ذلك الصراع الخفي والكولسات والزيارات التبادلية بين الدول وعلى اعلى مستويات التمثيل لغرض ضمان التصويت للفوز بشرف تنظيم الاولمبياد او كأس العالم او البطولات القارية والاقليمية،،وكل الانشطة المرافقة للاحداث الرياضية التي تستضيفها الدول من اعلام وسياحة ومهرجانات وتخصيص فضائيات رياضية للبث طوال الساعة من موقع الحدث هي سياسية بامتياز ،بعد كل هذا الا ترون ان الرياضة والسياسة يشكلان التشابك الاقوى في العولمة والتبريد والتسخين والتهدئة والتوتر في العلاقات بين الدول والشعوب احيانا ،وهي حروب في الملاعب ،ولكن بدون استخدام السلاح ،كما يرى ذلك فلاسفة علم الاجتماع الرياضي والسياسي.
*العميد الأسبق لكلية الرياضة بجامعة اليرموك